المقالات

ليلة الدخلة

في أحاديثنا نحن الغير متزوجين.. انشغلنا في ليلة الدخلة.. وتجاهلنا إنها ليلة واحدة. نسينا بأن الزواج منظومة وشراكة، يعلن من خلالها الزوجين تحمل مسؤولية بعضهم البعض، ومسؤولية الأبناء لاحقاً. لذلك لابد من الإستعداد لها حتى تنجح.. وذلك لا يأتي بدراسة أبعاد وتفاصيل ليلة الدخلة، بل يأتي من خلال فهم الأبعاد الحقيقية للزواج.
بينما في الجهة الأخرى يتحدث المتزوجين دائماً عن مشاكل زواجهم.. معبرين عن استيائهم.. محذرين غيرهم من الدخول في عالمهم. لا أذكر متى آخر مره سمعت متزوج يحكي أو يعبر عن سعادته واستقراره مع شريكته.. لا أذكر بأني سبق وسمعت متزوج عربي يقول بأن حياته أصبحت أجمل وأكمل مع محبوبته.
لابد أن نعرف بأن هناك اتفاقات ومعاهدات جنيف يجب أن تحصل قبل الزواج، لابد من الإتفاق على المحاور الأساسية قبل الإستمرار في هذا المشروع الكبير.. لماذا ننتظر حتى نتزوج ثم نتنازع على أمور بديهية كان من العقلانية أن ننهيها سابقاً. نتفق على الضوابط والخطوط الحمراء ولمن سنلجأ عند حدوث خلاف بيننا.. نتفق من سيكون مسؤولاً عن دخل الأسرة.. نتفق على نظام الصرف والميزانية.. نتفق على القيم التي تحكم علاقتنا والتي لا يمكن أن نتنازل عنها، والمبادئ التي توضح أساس منهجية تربيتنا لأبناءنا.. نتفق على توقعات السفر.. نتفق على مبادئ اللبس، وكيف ستكون حياتنا الاجتماعية. لماذا تنتظر لما بعد الزواج حتى تفرض عليها قوانينك وجبروتك؟!.. لماذا ننتظر أن يحتفل بنا الجميع في تلك القاعات الملكية.. ثم ينتهي كل ذلك لأسباب كان من الممكن تلافيها. ويبقى التحدي عند تغير مبادئكم وأولوياتكم، لذلك النقاش ومراجعة الإتفاقيات موجود.. الهدف ليس التضييق والتصعيب، بل خلق حياة زوجية صحية.
لابد أن نفهم كذلك بأن للزواج مراحل.. لن يبقى التفكير والشغف واللذة.. لن يبقى ذلك الهيام والحب الأعمى للأبد.. بل لن يبقى لأكثر من سنة حتى.. هي فترة مرحلية مهما طالت ستبدأ بعدها يقظة متعبة.. ذلك الغشاء الذي كان يعميك سيتلاشى.. سترى بوضوح عيوب شريكتك، ليس لأنها تغيرت.. بل لأنك كنت بعيداً في عالم الأحلام.. كنت ترى عيوبها نعم لا تعد ولا تحصى.. كنت ترى عيوبها ميزة وجدت من أجلك. ولكني أقول بأنها بشر وأنت كذلك!!! كلنا لدينا عيوب، بشريتنا تحتم علينا ذلك. كدت أنسى، المرحلة القادمة هي الثورة.. اليقظة ضربت بكيانك.. وسيطرت على تحركاتك.. ستحمل تلك اللافتات في ميدان التحرير.. ممزوجة بعبارات نضالية تطالب بأن تتغير هي من أجلك.. أن تتخلص من عيوبها وانسانيتها.. أن تتبلور مثل ما يشتهي بحارها. ستفهم هي بأنها كانت عمياء كذلك.. لاحقاً، ستلجأ للجلوس معها على طاولة النقاش.. ستلجأ للتعاون.. ستتقبل فكرة الشراكة.. ستتقبل حقيقة اختلافكم.. ستسعى لحل الأمور.. كل هذا لأنكم قررتوا أن يكون الصبر حليفكم.. من أجل الإيجابيات التي بينكم، أو لأنكم تقبلتم خلافكم، أو من أجل مصلحة مشتركة تجمعكم.. كتنشئة أبناءكم. بعد ذلك، مرحلة عودة المشاعر.. بعد سنين طويلة من الزواج.. ستعود الأحاسيس والمشاعر البراقة، ولكنها مشاعر من نوع آخر.. مشاعر حفظ الجميل والعشرة.. مشاعر المودة والوفاء. وسترى أخطاءك بمجهرك الذي غاب عنك طويلاً.. ستعتذر عن أخطاءك، أو عن غياب المجهر. أخيراً، في ذكرى زواجكم الخمسين.. ستصبح أنت وشريكتك شخصاً واحداً مرة أخرى.. ستتيقن بأنها تكملك وتكملها وجودياً.. بعيداً عن أي مصلحة. ولابد طبعاً أن تتواجد تلك الجدالات الظريفة.. جدال عن موقع الملح في طاولة الطعام، أو عن كثرة متابعتك للأخبار.
لم أنسى.. ولكني جعلت المفاجأة للختام.. وهي أنه مع نهاية كل مرحلة من المراحل التي ذكرتها.. هناك احتمالية انفصال وطلاق. هناك كذلك مرحلة لا تأتي في ترتيب أو زمن معين، بل تأتي في أي زمان ومكان.. وهي مرحلة الإنفجار.. عندما تحدث مصيبة لك أو لها.. حالة وفاة مثلاً. ولكن!، عندما أعرف هذه المراحل جيداً اليوم.. وأنا ما زلت بعيد كل البعد عن الزواج.. لن أقدم على هذه الخطوة المفصلية إلا وأنا جاهز لمواجهتها واحتوائها والتعامل معها.. ولن أنصدم عندما ينتهي العشق لأنني أعرف بأنها فترة مرحلية.. وسأحذف جملة “أنتي طالق” من قاموسي، بل سأحتفظ بها ولكن في مكانها المناسب، في سلة المهملات. لأنني أعرف هذا كله الآن!! وكذلك أعرف بأن مرحلة الإنفجار لا تعني دمار.. بل هي بمثابة اختبار.. من خلالها علاقتنا ستصبح أقوى، ستصبح جدار مقاوم للرصاص.
لذلك دعونا نتوقف عن نقاشاتنا البليدة حول هوامش حقيقة العلاقة الزوجية.. ودعونا نفهم بأن مرحلة المتعة المطلقة سوف تنتهي. ومن مشاكل الزواج هي الإعتقاد بأن هذه المرحلة دائمة، من المشاكل أيضاً هي التوقعات المبالغ فيها لكلا الطرفين، الأول يعتقد بأنه تزوج “شيف” عالمية صاحبة مهارات خدمة فندقية، والثانية تعتقد بأنها تزوجت كاظم الساهر على هيئة المارد الأزرق. تفاصيل وتفاصيل أخرى مهمة ينبغي علينا معرفتها، تعتبر علامات فارقة في هذه الشراكة. معرفة كيف كان يتعامل الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته، هذي بحد ذاتها تحتاج إلى خمسين مقال.
في الختام رسالة قصيرة لزوجتي المستقبلية. أنا أحبك من الآن.. رغم أني لا أعلم من أنتي.. ولكني متأكد بأنك إنسانة عظيمة، ستتفهمين هذه المراحل جيداً، وسنتعاون جميعاً في كل شيء لنصل لدرجة انصهار الحب، فكما قيل الحب هو انصهار روحين في جسد واحد.

 

 

…………………………

عبدالمحسن آل لافي
Snapchat: A_Lafi ​
Instagram: A.Lafi

اظهر المزيد

‫3 تعليقات

  1. طبعا من الصعب التفاهم في كل شي قبل الزواج والخطوط الحمراء ماهي الا خطوط موضعيه يتغير فيها افكار ويندمج معها فكرين مختلفين حتى تنضج ويتفهم الاخر احتياجات الشريك وينضج حتى يتفهم بأنه ليس محور الزواج بل يقدم اولويات الطرف الاخر عن احتياجاته لتفهمه بأهمية مايرغب به الشريك حتى لو كان هذا الامر في منظوره شيء تافه ولكن بالتفاهم يتوصلون الى حلول. وليس هنالك خطوط حمراء دائمه بل هي قيود فكريه قد تتحرر في المستقبل.. وكما ذكرت اخي عبدالمحسن هي مراحل انت وشريكك فقط مسؤولون عن نجاحها وفشلها.
    وطبعا مقاله جميله جدا وابعادها عميقه جدا لشخص غير متزوج ههههههه يدل على كمية البحث والدقه قبل كتابة ونشر المقاله….

  2. مقال اكثر من رائع تفكير منفتح وواعي..وموضوع في غاية الأهميه.نحتاج نحن الشباب توعيه في مثل هذه المواضيع صعبة الطرح.اشكرك يامبدع على الكلمات المنمّقه والجميله.ماشاء الله

  3. مقال جيد مُزجت فيه حكمة الخبراء المنقولة مع رغبات الحالم والذي يمكن لأي فتاة أن تكون المقصودة بزوجته المستقبلية!
    حقاً إنه ليجب أن تتم مناقشة الخطوط العريضة ولكن بعد الزواج. واعلم أن من لديه عمى ألوان فلن يتفق مع صحيح النظر مطلقاً على لون الخطوط الحمراء، أي يجب أن يبحث كل شخص عمن يشاركه القيم، والقصد هنا العائلة المربية لا الفتاة ناقصة الخبرة والتي تؤثر فيها الكلمة فتكون العاطفة مرجعها لا المنطق الصرف، ولكن ما أسميتها بمعاهدات جنيف فستكون وبالاً على من تنطلي عليها تلك الحِيَل.
    أنصحك أن تراجع قائمة من تجمعك بهم علاقة كي تسمع عن غير ليلة الدخلة وعن سعادة المتزوجين. أخيراً، أنت لا زلت صغيراً وأراهن أنك ستستمر في الادعاء بأنك لن تستعجل الزواج لوقت ليس بالقليل، ولتتذكر أن الطبخة اللذيذة يجب أن تكون ناضجة على نار هادئة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى