المقالات

كل يوم الأم عالمنا يوم الأم العالمي.. بقلم/ أميرة مهدي

تمثل الأم مستودع الخليقة و رأس الخلقة في كل المخلوقات المتولدة من زوجين،بل تجاوز ذلك إلى المعاني المجردة،فثمة أم بين الليل و النهار و هي الفاصلة التي ينبثق منها النور أو يعثم فيها الليل،بل إن للأفعال و الأقوال أما ،و هي النقطة التي تحرك الأفعال و تنطق الحروف.و ليس ذلك مبالغة بدليل استعمال الشعوب لمعني الأم لغة،فالعرب درجت على استعمال مفردة الأم بمعنى الجامع أو المجمل(أم القرى،أم الكتاب..)،و كذا في اللغات الأخرى كاللغة الإنجليزية مثلا، حين تصطلح باللغة الأم،أو لغة الأم(mother’s tongue) على اللغة الأصلية ،إشارة للنسب و الانتماء.

و لو عدنا إلى مرحلة الطفولة لوجدنا أن أول حرف ينطقه الطفل هو حرف الميم،الذي يتصدر الكلمة التي تشير لمعنى الأم في كل اللغات(ماه،مامي،ماما…….)
و لفطرة الإنسان و دقة جهاز النطق لديه كان حرف الميم أقرب الحروف للتلفظ لخروجه من سطح الشفة،و هو ما يناسب ضعف النطق و كسل أجهزته حينذاك عند الأطفال.

إن الأم تمثل أعمق مفهوم و معنى للاتصال الإنساني بين إنسان و آخر،بدءا من العلاقة الخلقية و المنشأ،مرورا بالحاجة و التعلق،و ثم اللغة عند الأطفال و لا تنتهي هذه العلاقة بالنسب و الانتماء في مصطلحات اللغة بإطرها الجامعة.

و كما رسخت الأم بأعمق تعاريفها,في وجدان كل إنسان ذكرا كان أو أنثى رسخت كذلك في أساطير الحضارات و حفظتها جدران المعابد و أعمدة المسارح في عدة حضارات انتشرت في قارات الدنيا.

ففي أسطورة التكوين السومرية تمثلت الأم في «إنانا» رمز الطبيعة والخصب، وفي أسطورة التكوين البابلية نجد «ننخرساج» الأم الأرض، وعشتار التي تقابل «إنانا»، وفي الحضارة الكنعانية كانت الأم الكبرى هي «عناة»، ولدى الإغريق ظهرت شخصية الأم الكبرى في «أفروديت»، «جيا»، «رجيا»، «أرتيميس»، و في الحضارة الرومانية تمثلت الأم الكبرى في «فينوس»، «ديانا»، «سيريس».
و بعد الأساطير،و تعظيما لمكانة الأم ارتبط النسب الملكي الفرعوني بها لأربعة آلاف سنة من عمر هذه الحضارة العظيمة.

و لأن الأم هي من يتواضع لها الأبناء و إن بلغوا العلياء، فهنا طائفة من أقوال الماجدين في أمهاتهم:

”وجه أمي وجه أمتي” الشاعر جبران خليل جبران،
” لم لأطمئن قط إلا وأنا في حجر أمي” سقراط،

“الأمومة أعظم هبة خص الله بها النساء”ماري هوبكنز

“ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم”شكسبير

“قلب الأم مدرسة الطفل”بيتشر

“من روائع خلق الله قلب الأم”
أندريه غريتري.
و كما للشعر سبقه و عذوبته ليعانق حب الأم،و هنا أكتفي بهذه المقطوعة العذبة للشاعر العربي كريم معتوق في قصيدته الفائية التي تبدو كأنها تكفير لكل أف قاله ابن لأمه:
أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ
والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ
مــا قــلتُ والله يـا أمـي بـقـافــيـةٍ
إلا وكـان مــقـامـاً فــوقَ مـا أصـفُ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها
غـيـمٌ لأمي علـيه الطـيـبُ يُـقتـطفُ
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا
كـل الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ
هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي
كـأنـما الأمُ في اللاوصـفِ تـتصفُ
إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً
ها قـد أتـيتُ أمـامَ الجـمعِ أعـترفُ.و ها قد جاء شاعرنا يعترف،و أنا من نهجه أغترف و أعترف أني أكتب في يوم الأم لأمي لتبعثه لروح أمها،كما أكتبه لابنتي لتبعثه إلي ثانية،تدويرا لمعنى الأم العظيم،و لروحها العظمى.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى