المقالات

بيت العنكبوت

قرأت خبراً نُشر في صحيفة سبق بعنوان (السجن عاماً والغرامة 500 ألف ريال لجريمة تجسس الزوج أو الزوجة على هاتف الآخر) بتاريخ 05 إبريل 2018. وظننت ابتداءً أنه منسوب زوراً للصحيفة، إن بعض الظن إثم.

أحد أسباب اعتقادي بتزوير الخبر كان حشر كلمة جريمة في العنوان الذي احتاج لسطرين. السبب الثاني تباين حجم الخط في العنوان، خاصة أن الحديث المضخم منسوب للقانوني الذي ظهر صغيراً.  ورد في الخبر “جرَّم القانون السعودي “تجسس” الزوج أو الزوجة على هاتف الآخر بطريقة غير مشروعة، كما ذكرت بعض المصادر حيث اعتبرت جريمة ضمن لائحة نظام “الجرائم المعلوماتية”.  وأتساءل هل توجد طريقة مشروعة للتجسس؟ وأتساءل أليس من الواجب ذكر المصادر التي اعتبرت ذلك جريمة ليكون القارئ على بيّنة؟

في نفس المقال تضع الأخصائية الاجتماعية هديل البقمي يدها على الجرح قائلة “أن المرأة بطبيعتها غيورة على زوجها وقد تقوم بتفتيش أجهزته بسبب الفضول أو الغيرة والرجل بطبعه يحب الكتمان ويرى أن هذا التصرف غير مستحب ولا يسمح لها بالاقتراب من أجهزته مما يزيد من شكها ورغبتها أكثر بالدخول للأجهزة والتفتيش بها” ثم تساءلتْ قائلة: “هل في حال قام الزوج أو الزوجة بالشكوى أنه يتم التحسس على أجهزته هل ستستمر الحياة الزوجية بعدها وكأن شيئا لم يحدث أم سيكون هذا بداية للطلاق.” وختمت حديثها بقولها: “نحتاج إلى توعية وزيادة الوعي قبل أن يكون هناك قوانين تجرم هذا الفعل أو ذاك لابد أن نزرع الثقة بين أفراد العائلة والبيت الواحد حتى لا يكون هناك طريقة للجوء إلى القضاء”.

أقول مستعيناً بالله، العلاقة الزوجية بالذات تختلف عن أي علاقة أخرى، وليست كعلاقة تعاقدية بين مؤسسة تختص بصيانة المعدات الثقيلة وشركة توفِر الأيدي العاملة. وصف الله ميثاق العلاقة الزوجية بأنه “ميثاقاً غليظاً”، وقدّسه، وشرع للأزواج الحلول في كافة المشاكل ابتداءً من أصغرها وصولاً لأعظمها، من الصبر وترجيح الجانب الإيجابي من الشريك، والهجر والضرب المشروط، ثم تحكيم الأطراف، والتوجه للمحكمة، وطلب الخلع، فلم يترك مجالاً إلا وكان للشرع فيه قول.

أسأل القانوني المذكور: هل تجسس المرأة على جوال زوجها لغيرتها الفطرية أعظم من اتهام الزوج لها بالزنى؟ ألم يُشرع حتى في مثل هذا الموقف حق للعان؟ وحق اسقاط لحاق المولود بالزوج؟ ومع ذلك لا يلحق أي من الزوجين أي تبعات إن أتم الشهادات الأربع وختم بخامسة، إما لعنة أو غضب؟ هل نتوقع صدور قانون يجرم مثل هذا التشريع؟ وإن رأى بعينيه وسمع بأذنه؟ ماذا عسانا أن نفعل بالآيات ما بين 6 و9 من سورة النور؟ هل يلغيها نص المواد نظام بشري؟

هل تمت أي دراسة ولو بشكل مبسط عن تبعات مثل هذا النظام؟ هل ستتحسن العلاقة بين الزوجين بسببه؟ أم أنها ستكون مشوشة؟ هل المبدأ الأساسي للعلاقة بين الطرفين التغاضي والتسامح والتصالح لاستمرار العلاقة وحفظ العشرة، وتنشأت الأطفال في جو وجود الوالدين؟ أم أن المبدأ الرئيس الحذر والخوف من العقوبة؟ لنفرض أن الزوجة تجسست على زوجها وفتحت جواله –كما تفعل نسبة كبيرة منهن لأي سبب-فعلِم بذلك، هل يُعقل أن تحكم بالسجن لمدة سنة وتُطالب بمبلغ 500  ألف ريال؟ هل هذا هو مبدأ التعامل بين الزوجين؟

شخصياً لا أتجسس على زوجتي، ولا أقبل منها ذلك، وإن فعلَتْ هي، لن يكون القضاء طريقي، وإن افترضت –جدلاً-أني فعلتُ أنا وطالبتني هي بمبلغ، فلن تكون هنالك فرصة للاستمرار معاً تحت أي ظرف. اعتقد أن مثل هذا القانون أو مشروع القانون لا يخدم الحياة الزوجية ولا الحرية الشخصية كما يبدو. بهذا القانون وبمثله ستتحول البيوت الزوجية لبيوت عناكب، واهنة المبنى والمعنى. بيت العنكبوت لا يصمد أمام أضعف الظروف، أنثى العنكبوت تقتل زوجها مباشرة بعد إتمام العملية، يفقس البيض وتخرج الصغار وتقات على الأم. هذا مشروع قانون عقوق مشترك متبادل.

العجيب أن نفس القانون يوْقِع نفس العقوبة (السجن سنة وغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال) على جرائم مثل التهديد والابتزاز والتشهير بالآخرين. فهل تساوى الدافع والإثم والضرر بين الخطأ الأول والجرائم هذه!

………………………………………

فهد بن جابر    

  @Fahd_Almalki

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى