المقالات

الخنفشاريون..!!

يُحكى أنّ رجلاً كان لا يدعُ شاردةً ولا واردةً إلا و يُدلي بدلوه فيها، -كحال بعض أصحابنا في اللقاءات والندوات والمحاضرات- فاتفق أصحابه على فضحه أمام الناس وبيان جهله وكذبه وزيفه, فشكلوا كلمةً لا أساس لها من الصّحة, ولا وجود لها في واقع الحياة ولا في كتب اللغة, أسموها (خنفشار) وعندما أزف وقت تعريتة وكشف ادعاءه الباطل سألوه على حين غرة عن معنى هذه الكلمة, وهو يزهو في فرح شديد, فقد احتاجه القوم وقصدوه وراموا إليه, فسوّلت له نفسه والنفس أمارة بالسوء أنهم بعلمه مقتنعون وبه مستنيرون, وبسعة إطلاعه مسلِّمون وواثقون, فقال وهو في قمة نشوته واغتباطه: الخنفشار نباتٌ طيبُ الرائحة ينبت في اليمن، وهو نباتٌ له خاصيّة عقد الضرع لدى البهائم, فإذا أكلت البهيمةُ منه انعقد ضرعها فلم يجر حليبها لأيام.
قال مقولته حول مدلول تلك الكلمة؛ ولكنه لم يكتف بذلك, بل زادهم تأكيدًا ومستشهدًا, فلفق بيتاً من الشعر لشاعر لا وجود له إلا في مخيلته فأنشد:
لقد عقدتْ محبتكم فؤادي
كما عقدَ الحليبَ الخنفشارُ
يجب أن نؤكد على أن أي مجتمع لم يبتل (ببلوة) أكثر من ( بلوة) مدعي المعرفة والهرطقة على خلق الله, حتى غدا الواحد منهم يكذب الكذبة في الصباح ويصدقها في المساء, ألم يعِ مثل هؤلاء أنّ الصمت في أحايين كثيرة بلاغة العارف.
يصادفك الكثير من أمثال صاحب القصة التي نقلتها سلفًا, وتحار حيال ما يمكنك فعله وأنت تتميز غيظًا, وقد يخالطك شيء من الحنق والغيظ في ذات الوقت, هذا إذا لم يسبق غيظك وحنقك ضحكة مدوية, أو ابتسامة تغالبها وتغالبك.
وقد تتمادى في استثارة أمثال هؤلاء لترى كم خلق الله من الكذابين, وتنظر إلى المسألة نظرة نفسية بحتة, فتبدأ في التحليل والتخمين, وكيف لا, وهذا حال الكثير ممن يتربّع المجالس؛ فإنّ تحدّث القوم في السياسة, كان السياسي محللاً, وإن تحدث القوم في شؤون الثقافة, كان مبدعًا أيّما إبداع, ظنًا بنفسه المريضة أنّه جاء بما لم يقله الأولون والآخرون, وإن تحدث القوم في مسائل الرياضة, شمّر عن ساعديه وفتح ما بين فكيه ناقدًا تارة ومحللاً تارة أخرى, فهو على الدوام تحت الطلب, فإن سألته سؤالاً عن مسألة من مسائل الحياة تراه حاضرًا يخرج من بين فكيه ما أعقد الألسنة عن قوله.
ولم يكتف هذا النمط من البشر بتحليل المسائل, بل احترف البعض منهم الكذب والكذب من العيار الثقيل, واستحلاه وتمادى في غيّه حتى أضحى المستمع في حيرة من أمره.
بل وصل حال بعضهم إلى التطاول على الله ورسوله, فإن كان الحديث عن شأن ديني جلس جلست المفتي, فكانت الفتوى حاضرة, وإن عرضت أية كريمة تصدّر القوم ففسّر, وأوّل وقال بما لم يقل به المفسرون, فتأخذك غيرتك الدينيّة وتهم أن تصفعه وتبصق في وجهه وقفاه.
إنني أهمس في أذن كل من هو على شاكلة صاحب القصة أعلاه بأن يترفع بنفسه عن سوءات الأقوال, لأن خروج الإنسان عن سجاياه وانفصاله عن طباعه العقلية والنفسية أمر يفسد على الإنسان حياته ويثير الاضطراب في سلوكه, ويصبح أضحوكة الصغير والكبير، ولا شكّ أنّكم تتذكرون ممّن هم على شاكلة صاحب القصة أعلاه؛ فاستروهم ستركم الله..!!

ساري محمد الزهراني

………………………………………………….

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى