المقالات

الحلمُ في وجه الرُّعاع والدَّهماء

لرمضان في نفوس المسلمين مكانةً عظيمة؛ من صيامٍ وقيام وما يتبعهما من أعمال الخير والبرِّ والإحسان. وفي رمضان تصفو النُّفوس, وترقُّ القلوب, وتحلّق في جوٍ نقيٍّ وطهور يملؤه الإيمان, ويزدان بالتَّقوى.
ومِنْ العادات التي أحرص عليها في هذا الشَّهر الكريم أنْ أتفرَّغ لِما يقرِّبني من الله قدر الطًّاقة المستطاعة, يتساوق معها الحرص على العودة إلى بعض كُتب التُّراث قارئاً لما تحمله من تجلِّيات روحيَّة وأخلاقيَّة حريُّ أنْ نعيد قراءتها وتمثُّلها في كلِّ ما يصْدر عنَّا من أقوالٍ وأفعال, فما أحوجنا إلى ذلك في زمنٍ ضاعت فيه بعض القِيم النَّبيلة, وماتت الكثير من الفضائل الكريمة.
ولعلَّ أبرز ما يوجه الإنسان في حياته اليوم تلك السَّقطات التي تلوكها الألسن، حتَّى استحالت أفعالا، من قبل بعض الرُّعاع والجَهلة، تكشف ما تحيكه الدَّواخل، فيظهر في الألسن والأفعال، ومن ذلك أنَّ رجلاً سبَّ الأخنف بن قيس وهو يماشيه في الطَّريق, فلمَّا قرب من المنزل وقف الأحنف وقال: يا هذا إنَّ كان بقي معك شيء فقله هاهنا فإنّي أخاف إنْ سمعك فتيان الحي أن يؤذوك. ويتماهى معه في ذات السِّياق قول رجلٍ لأبي ذر: أنت الذي نفاك معاوية من الشَّام؟ ولو كان فيك خير ما نفاك! فقال: يا ابن أخي إنَّ ورائي عقبة كؤودًا إنْ نجوت منها لم يضرني ما قلت, وإن لم أنج منها فأنا شرّ ممّا قلت!!.
ونلمس ردَّاً للشّعبي عندما شتمه رجل فقال له: إن كنت صادقًا فغفر الله لي, وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك. وليس أبا ذر ببعد عن موقف الشّعبي حينما شتمه رجل, فقال له أبو ذر: يا هذا لا تغرق في شتمنا, ودع للصّلح موضعًا فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
أمَّا عمرو بن العاص فقال رجل له: والله لأتفرغنَّ لك. قال: هناك وقعت في الشّغل!! قال: كأنَّك تهدّدني؟ والله لئن قلت لي كلمة لأقولنَّ لك عشرًا!! قال عمرو: وأنت والله لئن قلت لي عشرًا لم أقل لك واحدة!!
ومرّ المسيح عليه السَّلام بقومٍ من اليهود فقالوا له شرًا, فقال لهم خيرًا, فقيل له: إنَّهم يقولون شرَّاً وتقول خيرًا؟! فقال: كلّ واحدٍ ينفق ممَّا عنده.
وأسْمع رجلٌ عمر بن عبد العزيز بعض ما يكره, فقال: ما عليك؛ إنَّما أردتَ أن يستفزَّني الشَّيطان بعزَّة السُّلطان, فأنا منك اليوم ما تناله منّي غدًا انصرف إذا شئت!!
كلّ تلك المواقف درسًا من دروس الحلم والفطنة يكتسيها قومٌ ممّن خبروا الحياة ودرسوا واقع النَّاس، وهل يغيب في هذا السِّياق قول قيس بن عاصم عندما سُئل: ما الحلم؟ قال: أن تصل من قطعك, وتعطي من حرمك, وتعفو عمَّن ظلمك.
وقد وقالت الحكماء: ما قرن شيء أزين من حلمٍ إلى علم, ومن عفوٍ إلى قدرة!!. ألم يقرأ الحسن البصري قوله تعالى:” وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا..”، عطفًا على  قوله:”المؤمن حليم لا يجْهل وإنْ جُهل عليه”
تلك مواقف من الجدير أن نستحضرها في حياتنا اليوميًّة, ويحسن بنا إسقاطها في دواخلنا؛ لنعمل بها في كلّ ما يصدر عنا من أقوال وأفعال.
…وكل عام وأنتم بخير..!!

……………………………………….
الدكتور ساري الزهراني
اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى