محليات

الإعلام الجديد و دوره في ( عولمة الجريمة )

شهد العالم تطورات متسارعة و غير مسبوقة في المجال التقني أحدثت نقلة نوعية في مجال التواصل الإلكتروني، قلبت الموازين في العالم رأسا على عقب ، لتظهر برامج التواصل الاجتماعي ” الإعلام الجديد “نتيجة للربط بين تكنولوجيا المعلومات والإتصالات ، والتي أسهمت في تشكيل اتجاهات الرأي العام وبناء المواقف والآراء حيال مختلف القضايا والأحداث .

و لسنوات قليلة لم يكن الكثيرون يتوقعون أن تصبح السلطة والقوة مرتبطتين بالوصول إلى المعلومات، وأن القدرة على استخدامها ستصبح محدداً للسيطرة على اتجاهات الرأي العام وتشكيل الآراء والمواقف، أو أن التنظيم الاجتماعي سيتحول إلى ” مجتمع افتراضي” يسمح بتبادل الأفكار و الآراء في المجالات المختلفة.

علماً أن هذا التطور في دور وسائل التواصل الاجتماعي سيفرض تغييرات على كثير من المسلمات الراهنة، سيجعلها واقعاً يلزم التعايش معه دون صدمة معرفية أو إشكالية في التعامل ، فهي منحت الفرد القدرة على التأثير في عالم مفتوح، من خلال وسائل تعبير منخفضة التكلفة وواسعة الانتشار، مما شجع الفرد على الاتصال بالعالم الخارجي وبناء منظومته التفاعلية، و سهلت عملية التعارف والتواصل بين البشر .

فقد أصبح الإعلام الجديد “منبر من لا منبر له”، فمن يعجز عن اعتلاء أي منبر إعلامي، يستطيع من خلال هذه الوسائل بث ما يريد من رسائل ليستقبلها مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت المستخدم “مراسلاً إعلامياً”، سواء في نقل الأخبار والصور الفورية من مكان الحدث، أو في التعبير عن مواقفه تجاه الأحداث الجارية دون النظر لما يترتب على ذلك من آثار سواء إيجابية أم سلبية. 

شيوع هذا النوع من (الإعلام الجديد) الواسع بين أفراد المجتمعات في العالم ساهم و بشكل كبير في نشر الوعي الثقافي، و تطوير الواقع الاقتصادي للأفراد و الشركات و الدّول، و كذلك تعدى الأثر الإيجابي لها إلى الجانب التعليمي و الصحي . 

إلا أنه ارتبط ظهور هذا النوع من” الإعلام الجديد” بانتشار ظواهر أمنية سلبية ، مثل التطرّف و الإرهاب و الجرائم المعلوماتية، حيث أتاح الفرصة لبعض الجماعات للتحاور و التشاور ونشر أفكار متطرفة عبر مجتمعات افتراضية مغلقة نسبيا . 

و لم يقف الأمر عند هذا الحد بل  سعت جماعات أخرى إلى إقامة دول افتراضية ذات منطلقات عنيفة و متطرفة مثل “داعش” و ” القاعدة” و غيرها من الجماعات التي تتبنى الفكر الإجرامي في العالم على الرغم من صغر المساحة التي تشغلها على أرض الواقع، إلا أن هذه الوسائل الإعلامية الجديدة ساهمت في نشر كل ما يخدم مخططاتها . 

فبالرغم من الدور الإيجابي لهذه الوسائل الجديدة إلا أنها ساهمت في ” عولمة الجريمة ” و ارتبط فيها العديد من جرائم المعلومات مثل : 
انتهاك المعلومات الشخصية الإلكترونية، و انتحال الشخصية، و الذم و التشهير و التحقير عبر الإنترنت، والتحرش والمضايقة عبر برامج المحادثة والمدونات الشخصية، و النصب و الاحتيال و القرصنة والاعتداء على الخصوصية، وجرائم التحريض، وإثارة الفتن الدينية والعرقية.

و هو ما ينذر بخطر كبير يهدد أمن الأفراد و المجتمعات و الدول بشكل عام، و لكي نتمكن من توظيف هذه الوسائل الجديدة بما يخدم الصالح العام و يحفظ الأمن القومي ينبغي التركيز على عدة أمور منها : 
-ينبغي على الحكومات أن تعي أهمية الإعلام الجديد و قوة تأثيره على الأمن الاجتماعي و الاستقرار الداخلي.  
-إيجاد ” صراع افتراضي ” جديد لمواجهة كل ما يهدد الأمن القومي. 
-على الأجهزة الأمنية في الدوله التنسيق فيما بينها لتوظيف هذا النوع من الإعلام الجديد في في تحسين الأداء الأمني، و مواجهة التحديات الأمنية الإلكترونية.  
-عدم الاعتماد على الإعلام الرسمي فقط في توجيه الرأي العام. 
-إشراك الوسائل الجديدة لتسهم في بناء مشتركات بين قطاعات عريضة من الجمهور تهدف لنشر الوعي الأمني و السياسي و الثقافي بينهم .
-سن قوانين و قواعد لتنظيم المحتوى الإلكتروني و وضع عقوبات لمرتكبي الجرائم الإلكترونية .

____________________________

الكاتب: ساير هليل المضياني
كاتب بصحيفة تغطيات
عضو المجلس البلدي بالجبيل

اظهر المزيد

‫2 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى