المقالات

مقال.. بعنوان الأب المتسوّل

للكاتب / محمد بن باتل الجبل

في زحمة الحياة الحديثة وتغيّر القيم الاجتماعية، برزت ظاهرة صامتة تستحق التأمل والحديث، يمكن أن نسمّيها بـ«تسوّل الأبوة».
فلم يعد التسوّل مقتصرًا على طلب المال في الشوارع، بل امتدّ إلى المشاعر داخل البيوت، حيث نجد بعض الآباء يعيشون دور المتسوّل العاطفي بين أبنائهم وبناتهم، سواء كانوا يعيشون معهم تحت سقفٍ واحد، أو منفصلين عنهم بعد الطلاق.

يتحوّل الأب في كثير من الأحيان من رمز الحنان والعطاء إلى شخصيةٍ مهمشةٍ تبحث عن اهتمامٍ بسيط، أو كلمةٍ دافئة تذكّره بأنه ما زال حاضرًا في قلوب من ربّاهم.
يتسوّل الاتصال والاهتمام والاحترام والزيارة والابتسامة، ويُكافَأ على جهوده السابقة بالصمت أو التجاهل، وكأن دوره انتهى بانتهاء نفقة أو بعد انفصالٍ أسريّ أو أنه فقط صرافه للأموال .

وفي زمن اللالعاب الكترونيه أصبح الابناء في عزلة عن والديهم ولعلّ من أشد صور هذا التسوّل ألمًا، حين يعيش الأب حالة الانفصال بينه وبين أبنائه؛ فيصبح وجوده في حياتهم “بروتوكوليًا”، يقتصر على المناسبات أو الواجبات الاجتماعية، بينما يختفي حضور الأب الحقيقي الذي كان يملأ المكان دفئًا ونصحًا وسندًا.

إن الأب المتسوّل لا يطلب مالًا، بل يطلب اعترافًا بدوره، وامتنانًا بسيطًا لتعب السنين.
هو يبحث عن كلمة “كيفك يا أبي ؟” أ
كثر مما يبحث عن مكافأة أو تقدير رسمي.
فكم من أبٍ حمل همّ الحياة على كتفيه ليُسعد أبناءه، ثم وجد نفسه في آخر المطاف يُهمَّش أو يُنسى وكأنه صفحة طويت من كتاب العائلة.

علينا كمجتمع أن نعيد الاعتبار للعلاقة بين الأب وأبنائه، وأن نغرس في الأجيال معنى البرّ الحقيقي الذي لا يتوقف عند الأم وحدها، بل يشمل الأب الذي غالبًا ما يخفي وجعه بصمتٍ وكبرياء.

رسالة إلى الأبناء:
لا تجعلوا آباءكم يتسوّلونكم.
فالكلمة التي تبخلون بها اليوم قد تكون غدًا الندم الذي لا يُشترى.
ابتسامتكم حين يرونكم، واهتمامكم حين يسألون عنكم، هو ما يُعيد إلى قلوبهم الحياة.
فهم لم يتعبوا ليأخذوا منكم شيئًا، بل تعبوا لتكونوا كلّ شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى