المقالات

الـكـذب : آثاره الاجتماعية وكيفية مواجهته..

بقلم/ بدر عبد الكريم بن سعيد السيف

الكذب آفة اجتماعية بغيضة ورأس كل خطيئة ، وهو من أكبر الكبائر، ويتنافى مع أخلاق أهل الإيمان فالكذب صفة سيئة ترتبط بالنفاق والخيانة ، وصِفة من صِفات المنافقين ، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ “سورة المنافقون: 1 ” فالكذب يُعرَّفُ بأنه الإخبار بخلاف الواقع ، كاختلاق واقعة غير صحيحة ونسبتها إلى شخص بريء بهدف الإضرار به أو بمعلومات خاطئة يقصد بها الخداع والتضليل لتحقيق هدف ما…. والكذب فعل محرّم في أغلب الأديان ومن أعظم الآفات التي تدمر المجتمعات وتؤدي إلى الظلم والقهر، وإلى انعدام الثقة بين الناس ، وللكذب أنواع : * الكذب الأسود: الكذب المكتمل، مثل إطلاق شائعة لتدمير حياة شخص., * الكذب الرمادي: نصف الحقيقة، حيث يتم سرد جانب من المشكلة دون تفاصيل مهمة., * الكذب الأبيض: كذبة بالضرورة لا تؤدي إلى ضرر كبير , فالكذب يُفسد العلاقات الاجتماعية ويخلق بيئة تسودها الشكوك.

ويؤدي إلى انتشار الفساد في المجتمع , كما أنه يعتبر من علامات الساعة الصغرى التي أخبر عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث النبوية. ومن أهم العلامات شيوعاً انتشاره بين الناس، بأن يُصدَّق فيه الكاذب ويُكذَّب الصادق…… فالكذب اذا انتشر أفسد العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد وانتزعت منه المصداقية ، فلا يثق أحد بأحد، وتضيع المصالح الاجتماعية، وتنتشر النميمة والشائعات اللّتان تعتمدان على الأخبار غير الصحيحة أو المعلومات المضللة والتزييف للحقائق لنشر الفتنة والفرقة ، فضلاً عن تشويه سمعة الأبرياء ، فقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن عقوبة ” الكذب الواسع الانتشار” بأشد العذاب ، فقد روى سَمُرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في ذلك الخبر الطويل العظيم : (( فانطلقنا فأتينا على رجلٍ مُستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائمٌ عليه بكلُّوبٍ من حديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّي وجهه فيُشرشِرُ شِدقَه إلى قفاه، ومِنخَرَه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه – قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق – قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟.

إلى أن قال: ((وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه؛ فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق )) الحديث , وهذا هو شر الكذب وأفحشه وقد توعد الله الكاذبين بالعذاب الغليظ في “عالم البرزخ ” بالعقاب الجسدي في البرزخ وعالم البرزخ : يبدأ عند قبض روح الإنسان ويستمر حتى البعث يوم القيامة وكذلك بالعقاب يوم القيامة , وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : “وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا “. [صحيح البخاري ومسلم]

فالبعض قد يتناقل معلومات كاذبة مضرّة بالسمعة بين الناس وهم لا يشعرون أنها كلها كذب , فالله سبحانه وتعالى هو وحده لا شريك له الذي يعلم الغيب والعالم بالنية الخفية ودواخل قلوب الناس ودوافع الكاذب وأسراره ، لذا فالذي ينقل الكذب آثم وشريكٌ في الإثم لأنه لم يتحرى الحقيقة من الطرفين كي يصل إلى فهم أعمق وأكثر عدلاً ، وقوله سبحانه {لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، فــ “اللعن” نتيجة خطيرة للكذب ويأتي في صورة دعاء بالطرد من رحمة الله وذلك بسبب تعمّد الكذب الذي يتنافى مع صريح الإيمان وما يسببه من آثاره سلبية على الفرد والمجتمع , وللتغلّب على آفة الكذب اتباع التالي : ,* ترسيخ قيم الصدق: الالتزام بالصدق في كل قول وفعل، واعتبار الصدق سبيلًا لبناء علاقات صحية ومستدامة. , * تجنب الوقوع في الخطأ : الابتعاد عن كل ما قد يُريبك، وتجنب نشر الأكاذيب، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. , * تحمل المسؤولية : مواجهة الأخطاء وعدم التهرب من المسؤولية من خلال الكذب. , * التواصل الجيد: تعزيز ثقافة التواصل الصريح والشفافية في جميع جوانب الحياة , عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة )) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ].

وقد صحّ : كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع . أبيات شعرية من قصيدة عن ” الكذب ” لأبي العتاهية :
إِيّاكَ مِن كَذَبِ الكَذوبِ وَإِفكِهِ … فَـلَـرُبَّـما مَـزَجَ الـيَـقـينَ بِـشَــكِّـهِ
وَلـَرُبّـَما ضَـحِكَ الكَذوبُ تَكَلُّفاً … وَبَـكى مِـنَ الشَيءِ الَّـذي لَم يُـبكِهِ
وَلَـرُبَّما صَـمَتَ الكَذوبُ تَخَلُّـقاً … وَشَكى مِنَ الشَيءِ الَّذي لَم يُشكِهِ
وَلَـرُبَّما كَـذَبَ اِمـرُؤٌ بِكَـلامِـهِ …. وَبِـصَــمتِهِ وَبُـكـائِهِ وَبِضِـحكِهِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى