مقال.. بقلم : عبدالله محمد الخرمي
السؤال الـ 22 مليار دولار: لماذا تُعدّ الشركات الصغيرة والمتوسطة مفتاح المرحلة التالية لنمو قطاع الاتصالات؟

تمتلك شركات الاتصالات القدرة على صياغة اقتصاد أكثر شمولية وابتكاراً ومرونة، من خلال تقديم حلول تقنية متكاملة تدعم التحول الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة.
يتعلّم قطاع الاتصالات درساً صعباً: ما جعل شركات الاتصالات ناجحة في سوق المستهلكين لا يعني بالضرورة نجاحها في تقديم خدمات تقنية المعلومات للشركات الصغيرة والمتوسطة. تعتمد خدمات الاتصالات للمستهلكين بشكل أساسي على التغطية والسرعة والسعر، بينما خدمات تقنية المعلومات للشركات الصغيرة والمتوسطة تتعلق بتحقيق النتائج التجارية والموثوقية والقيمة الاستراتيجية. وهذا يتطلب إعادة تقييم لكيفية تعامل شركات الاتصالات مع تطوير السوق، وتصميم الحلول، وبناء علاقات العملاء. ويعني ذلك الانتقال من التفاعلات التي تركز على المعاملات إلى الشراكات الاستشارية، وأيضاً فهم أن احتياجات تقنية المعلومات لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تتعلق بالتقنية فحسب، بل ترتبط بتمكين نمو الأعمال وتحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز الميزة التنافسية.
ماذا يحدث عندما تحتاج 1.7 مليون شركة – 47% منها مملوكة للنساء، و38% يقودها الشباب – إلى تقنيات متطورة دون تكلفة باهظة؟ في المملكة العربية السعودية، هذا ليس سؤالاً افتراضياً، بل فرصة سوقية حقيقية تعيد تشكيل طريقة تعريف شركات الاتصالات لدورها في دعم الاقتصاد الرقمي.
تشهد الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية توسعاً متنامياً واعتماداً متزايداً على التقنية، حيث أظهرت الدراسات أن 72% من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي شملها الاستطلاع تعطي الأولوية لتبني الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين العمليات، وتعزيز تجربة العملاء. ورغم إدراك هذه الشركات لأهمية التقنية المتقدمة لمواكبة المنافسة، إلا أنها تتسم بالحذر في الإنفاق.
وقد انعكس هذا الحذر في تحول تفضيلاتها من امتلاك الحلول إلى الوصول إليها كخدمة. ومع تزايد طلب الشركات الصغيرة والمتوسطة على أدوات إنتاجية متكاملة، وحلول الأمن السيبراني، والخدمات السحابية، فإن هذه الشركات الطموحة رقمياً تعمل على خلق فرص سوقية جديدة لشركات الاتصالات القادرة على تقديم حلول على مستوى المؤسسات من خلال نماذج خدمة مناسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
لقد تطور الدور التقليدي لشركات الاتصالات، الذي كان يتركز في السابق بشكل أساسي على تقديم خدمات الاتصال الأساسية مثل الصوت، والبيانات، والشبكات، مع تحول متطلبات السوق نحو حلول تقنية شاملة. وبدلاً من الاكتفاء بالعلاقة التقليدية المبنية على المعاملات بين البائع والعميل، ينبغي على شركات الاتصالات في القطاع إعادة تعريف نفسها كشركاء تقنيين استراتيجيين، وتطوير القدرة على تقديم حلول بنية تحتية واتصال مصممة خصيصاً لتتناسب مع احتياجات كل شركة صغيرة ومتوسطة على حدة.
تتمثل الفرصة في تحويل العلاقة بشكل جذري من مجرد تقديم خدمة إلى بناء شراكة استشارية حقيقية، لتصبح شركات الاتصالات جزءاً أساسياً من رحلة التحول الرقمي لعملائها.
تلبية الاحتياجات التقنية الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة
من المتوقع أن يصل حجم سوق تقنية المعلومات والاتصالات للشركات في المملكة العربية السعودية إلى 22.84 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11%. ويشهد سوق خدمات تقنية المعلومات بين الشركات (B2B) نمواً مستمراً يتجاوز 8% سنوياً، بينما سجلت حلول البرمجيات السحابية المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة نمواً بمعدل 10.5% سنوياً حتى عام 2025. واستجابةً لمتطلبات الشركات الصغيرة والمتوسطة المتطورة، تمتلك شركات الاتصالات في السعودية فرصة لتقديم حزم تقنية متكاملة تغطي جميع جوانب التحول الرقمي، متجاوزةً بذلك الخدمات الأساسية التقليدية. ويعكس هذه المسار من النمو أهمية تقديم حزم تقنية لا تلبي فقط احتياجات الاتصال، بل تشمل أيضاً النطاق الكامل لمتطلبات التحول الرقمي التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة.
تُظهر عمليات التحول الناجحة لشركات الاتصالات باستمرار أن الشراكات الاستراتيجية تتفوق على التطوير الداخلي في مجالات مثل الانتقال إلى السحابة، والأمن السيبراني، وتجارب العملاء الرقمية. ويكمن السر في معرفة ما يجب امتلاكه داخلياً، وما يجب الشراكة من أجله، وكيفية تنظيم هذه العلاقات لبناء محفظة حلول فعّالة تُوسّع نطاق الوصول إلى السوق. يصبح نموذج هذه الشراكة أكثر أهمية عند تلبية الاحتياجات الخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي غالباً ما تتطلب دمج مزوّدي البرمجيات، ومتكاملي الأنظمة، والمتخصصين في القطاعات المختلفة لتقديم حلول شاملة لا يمكن لأي مزوّد واحد تقديمها بمفرده. سيمكن هذا النهج القائم على النظام التقني شركات الاتصالات من توفير الخبرة الكبيرة واتساع نطاق الحلول التي تحتاجها الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع الاستفادة من المعرفة المتخصصة والعلاقات التي يقدمها الشركاء في قطاعات السوق المختلفة.
يُمثل سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من مجرد فرصة للنمو؛ إنه فرصة لشركات الاتصالات لاستعادة دورها وأهميتها في الاقتصاد الرقمي. عندما تزدهر الشركات الصغيرة بالدعم التقني المناسب، فإنها تُصبح محركات قوية للابتكار والتنويع الاقتصادي. ومع وجود أكثر من 1.7 مليون شركة صغيرة ومتوسطة تسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، الهادفة إلى تنويع الاقتصاد، ورفع مساهمة هذه الشركات في الناتج المحلي الإجمالي إلى 35% بحلول عام 2030، فقد حان الوقت لشركات الاتصالات لاغتنام هذه الفرصة وإعادة تعريف دورها من مجرد مزودين للخدمات إلى شركاء في التحول الرقمي. أما بالنسبة لأولئك الذين يترددون، يزداد الخطر في أن يتحولوا إلى مجرد مزودي خدمات رقمية أساسية، بينما يصبح المنافسون شركاء استراتيجيين ويصبح هذا الخطر أكثر وضوحاً مع كل فرصة ضائعة.
الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بشركة “اتحاد سلام” للاتصالات
عبدالله محمد الخرمي