المقالات

مقال.. عباس الرضا بعنوان “عندما يصبح الاحتواء عملاً بنّاءً”

 

ليست “الرعاية” وحدها ما يحتاجه اليتيم بل التمكين، والثقة، والفرص الحقيقية ليصنع طريقه بنفسه. من هنا جاء برنامج “تحدي البقاء” ليقلب المفهوم التقليدي للاحتواء ويصنع تجربة إنسانية ملهمة يعيشها مئات الأيتام من مختلف مناطق المملكة في بيئة تحاكي الواقع وتستثير مكامن القوة وتصقل المهارات الحياتية والعقلية والمهنية.

في هذا التحدي لم يكن اليُتم عائقًا بل كان حافزًا لتجاوز الذات. فـ 400 شاب وشابة من أبناء الوطن اجتمعوا في تجربة حياتية متكاملة تُنبت في داخلهم قيماً من التكاتف والعمل الجماعي، والمبادرة، والاعتماد على النفس ضمن فرق ومهام تُشبه إلى حد كبير تحديات الحياة الواقعية.

“تحدي البقاء” لم يكن معسكرًا تدريبيًا عابرًا بل هو حاضنة للمشاريع ومرآة لاكتشاف الذات. فالمشاركون لم يتلقّوا التوجيه فحسب، بل شاركوا في ابتكار الحلول، وقيادة الفرق، وتنفيذ المشاريع، ضمن مسارات إبداعية تجمع بين التقنية والخدمة المجتمعية والاستدامة.

ولعل من هذه المشاريع:

“هدب”: مشروع ذكي لتحسين إنتاج الأرز الحساوي بنسبة 40% باستخدام حساس رطوبة ينظم الري بدقة، ويمنع الهدر.

“سَكينة”: تطبيق ذكي يساند في حالات الصحة النفسية والضغوط.

“أثر”: منصة لتحفيز التطوع والمبادرات المجتمعية.

“مَعين”: مبادرة لدعم الفئات الخاصة في المجتمع.

وغيرها من مشاريع نابضة بالفكر والإبداع تعكس قدرات وطنية واعدة لا تبحث عن الشفقة، بل عن التحدي والفرص والاعتراف.

من التمكين إلى التأثير

يكشف البرنامج عن انتقال المؤسسات من دور “الراعي” إلى دور “المُمكِّن” فالمشاركون لم يُحتووا بالعاطفة بل تم بناء قدراتهم ومهاراتهم وفتح الأفق أمامهم للتفكير والعمل والتأثير، في مشهد يعكس تحوّلًا نوعيًا في رعاية الأيتام من العناية الفردية إلى التنمية الشاملة المستدامة.

هذا التحوّل لم يكن ليحدث لولا الشراكة المتقنة بين مركز تكامل لرعاية الأيتام وجمعية البر بالأحساء والذين قدّما نموذجًا في التكامل بين الفكر الاجتماعي والعمل الميداني والقيادة التنموية.

إن “تحدي البقاء” ليس مجرد برنامج بل رؤية جديدة لرعاية الأيتام تليق بطموحات الوطن وتؤمن أن العطاء الحقيقي يبدأ حين نُهيئ الإنسان ليكون قادرًا على العطاء بدوره.

وفي النهاية سيبقى هذا النموذج شاهدًا على أن الاحتواء لا يعني الحماية فقط بل يعني أيضًا البناء وصناعة الأثر وفتح الأفق أمام جيل يصنع مستقبله بنفسه ويُسهم في مستقبل وطنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى