مجتمع

ثلاث روايات سعودية عالجت قضايا متينة الصلة بالواقع

تغطيات – الدمام – راكان العيادة :

ضمن فعاليات الموسم الثقافي نظم نادي المنطقة الشرقية الأدبي أمسية ثقافية مساء أمس الأول بعنوان ” الفن والواقع في الرواية السعودية ” للدكتور محمد نجيب العمامي أستاذ اللغة العربية والدراسات الاجتماعية في جامعة القصيم , تناول خلالها ثلاث روايات سعودية وهي: «الحمام لا يطير في بريدة» ليوسف المحيميد، و «شرق الوادي لتركي الحمد» ورواية «وجوه بلا أجنحة» لإبراهيم بن منصور التركي. وتقوم المحاضرة على ثلاثة محاور هي: الفن في الروايات المختارة، والواقع في الروايات المختارة، والعلاقة بين الفن والواقع في هذه الروايات.

وقال في مطلع محاضرته التي أدارها الشاعر عبدالوهاب الفارس إن مبرر الجمع بين الفن والواقع في العنوان يعود أولاً إلى أن الرواية فن تمثيلي أو تصويري ولذلك فلا فكاك لها من الواقع، وثانيا إلى وقوع النقد فترة طويلة إما في الاهتمام بالمضامين دون الفن وإما في التركيز على الفن وإهمال المضامين.

وأشار إلى أنه يهدف من ورقته إلى دراسة فنية الروايات والوقوف على تجليات الواقع فيها، والتفطن إلى ما ينجر من سلبيات عندما يغلّب الروائي الواقع على الفن، أي المباشرة والتصريح على الإيحاء والتلميح.

وذكر المحاضر أن الواقع في الروايات يظهر في شكلين: المحاكاة التي يعنى بها إنتاج عالم متخيّل شبيه بعالم البشر، والثاني: عالم البشر نفسه، أمكنة وشخصيات وقضايا. ويتمثل الشكل الأول في أن في الروايات الثلاث شخصيات تشبه بشر الواقع هيئات وأسماء وألقابا وكنى وعلاقات وأدوارا اجتماعية، وأن فيها أمكنة تشبه أمكنة الواقع الكائن خارج النصّ، وأن فيها أزمنة شبيهة بأزمنة البشر، وفيها أخيرا أحداث شبيهة بتلك التي تدور في واقع البشر كالولادة والموت والحج والسفر ونصب الشراك.

أما الشكل الثاني فتمثله أمكنة وأزمنة وشخصيات وقضايا لها وجود في واقع البشر سابق لوجودها في الروايات، كرواية «الحمام لا يطير في بريدة» التي تحضر فيها الرياض بأسواقها وأسماء شوارعها ومحلاتها، ومكة المكرمة والمدينة المنورة وبريدة ولندن.

وحفلت رواية المحيميد بأحداث مؤرخة دارت فعلا في الأزمنة المذكورة في الرواية، فقد اختار الراوي حدث اقتحام الجهيمان ومن معه الحرم المكي فجر الأول من محرم للقرن الجديد 1400هـ حدثا مفصليا أدت إليه أحداث ومواقف ونتجت عنه أخرى كثيرة.

ومن المواقف التي سبقت الاقتحام بنصف قرن ونيف موقف رافض لمبتكرات العصر ضمنه الراوي في وثيقة بتاريخ 1346 هـ خلاصتها معارضة الإخوان للتقنية الحديثة في ذلك العصر، وخروج أهالي بريدة في مظاهرة إلى الرياض ووقوفهم أمام قصر الملك فيصل لينكروا عليه فتح مدرسة بنات في بريدة ناصبين خيمة أمام البوابة.

وقد عالجت «وجوه بلا أجنحة» قضايا معاصرة عاشها المجتمع الواقعي وانفردت هذه الرواية بطرح صريح لقضية المرأة وذلك في مقال صحفي حرره نايف وفيه انطلق مما رأى أنه واقع المرأة وأوحى بما ينبغي فعله لتتغير منزلتها إيجابا. يقول: «الذين ينادون بحقوق المرأة في واد، وواقع المرأة في واد، ولكن المشكلة أن هناك أمورا أهم تحتاجها المرأة السعودية فهي تحتاج إلى أن تأخذ أبسط حقوقها فهي كائن بلا كينونة، ولا أدل على ذلك من أننا نحس بالخزي من ذكر اسمها في بطاقة زواجها».

كما تناول العمامي في رواية «وجوه بلا أجنحة» قضية حرية التعبير المكتوب، حيث عانى البطل في سبيل إجازة روايته من مقص الرقيب حيث اشترط عليه حذف كل ما يشير إلى أن الرواية تعرض أحداثا وإضافة بعض العبارات الصريحة التي تدين بعض الممارسات الخاطئة مثل المعاكسات وحذف العبارات الخادشة، هذا الموقف الرسمي الذي يجد سندا له من بعض الشرائح الاجتماعية التي ترى في بعض الروايات خطرا على أخلاقيات الشباب.

وخلص العمامي إلى أن السؤال الذي يتعيّن طرحه هو: ما العلاقة التي تقيمها هذه الرواية أو تلك مع الواقع؟ أهي علاقة تكامل أم علاقة تنازع؟ وانتهى إلى أن الروايات الثلاث منغرسة في عصر كتابتها، وأنها عالجت قضايا متينة الصلة بالواقع، وقد أكدت كل الروايات أن المجتمع المصوّر ليس مجتمعا راكدا إنما هو مجتمع حي تشقه صراعات وتجاذبات، وجهرت الروايات بمواقف كتّابها ورغبتهم في التأثير في الواقع وحرصهم على استغلال الرواية بوصفها منبرا يقال فيه ما لا يقال في منبر آخر وكان لذلك انعكاس على فنية الروايات.

مبينا أن المسافة قد انمحت ما بين الكاتب والبطل ما غيب الصراع بين الأحلام والواقع، فالأبطال يستندون إلى مواقف جاهزة ولا يبحث الكاتب من خلال تنوع الشخصيات وإدارة الصراع ما بينها عن حلول لمشاكل الواقع.

وفي جانب من المداخلات انتقد الناقد الدكتور مبارك الخالدي وقوع المحاضر في فخ إهمال الجانب الفني في الروايات، مبينا أن العناية بالمضمون يجب أن تكون من خلال الفنيّات إذ لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون. فيما تساءل الناقد الدكتور أحمد سماحة عن معيار اختيار الروايات محل الدراسة، وقال إن الرواية ليس من دورها البحث عن حلول لأزمات الواقع.

وأجاب العمامي على الخالدي مبينا أن معايير فنية الرواية هي التماسك الداخلي وعدم وجود ثغرات وتوالد الأحداث من بعضها بشكل منطقي ومقنع، وعلق على مداخلة سماحة أنه اختار الروايات بمعيار المضمون لحديثها عن التاريخ والحرية والمرأة، وقال إن الروائي ليست مهمته الحل ولكنه يبحث عن حلول ويطرح الأسئلة.

وفي ختام الأمسية الثقافية قدم رئيس النادي خليل الفزيع درع تقديري للدكتور العمامي , مقدماً له الشكر والتقدير لمشاركته في فعاليات النادي الثقافية .  

 4

2

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى